Translate

الاثنين، 2 نوفمبر 2020

القوانين بين السماء والارض في الفكر المسيحي

 القوانين بين السماء والأرض في الفكر المسيحي

إن التنظيم الواقع والمجسد للمجتمع يبين ويوضح القانون الإنساني. هذا القانون يجب أن يستند دائما ويشتق من القانون الطبيعي. هذه القاعدة لا يمكن المساس بها، و لكن لا تطبق بأي مكان بشكل ميكانيكي، بل يجب أن تضم خاصتين: الأولى هي أن القانون الإنساني له صفات و طبائع خاصة، هو قانون وضعي عندما القانون الطبيعي يكون قانونا أخلاقيا. إنه يميَّز لأنه لا يتعلق إلا بالنظام الخارجي وهو يتلاءم مع الإجبار أو الإرغام. القانون الوضعي لا يتم خلطه مع القاعدة الأخلاقية. الخاصة الثانية : الفعل السياسي هو بطبيعته خاص و جائز أو محتمل. العقل الإجرائي أو العملي عليه أن يحصل على النتائج من المبادئ العامة داخل الظروف و الشروط النوعية في حالة واقعة مجسدة. القسر أو الإرغام الحاصل من أجل الوصول للخير و المنفعة يمكن أن يحدث شرا أكثر من الخير. هنا سان أوكستان لاحظ أن القانون الزمني عليه التسامح مع بعض الشر. ويؤكد سان توماس ذلك بالقول :"إن على السياسة أن تلتزم بمبدئها محدثة أقل شر ممكن".

 



إن طروحات سان توماس حول هذا الموضوع أشعلت جدلا ونقاشا كبيرا. الصعوبة الأساسية تأتي من أن سان توماس يحدد شيئين أساسيين مهمين : الأول، أن البشر يجب أن يحكموا،ولكن أن يحكموا ضمن نطاق وحدود المنفعة المشتركة،هذا يعني من جهة أخرى أن يحكموا من قبل أناس خيّرين. هنا سان توماس يتبع أرسطو ولكن تفكيره أكثر تشددا و انغلاقا. أما في كتابه De Regno،إنه يأخذ ويضم التقسيم الأرسطي للأنظمة الستة، ولكن يعود وبسرعة ليشدد التحليل حول هذا الموقف: الملكية من جهة، الأشكال المختلفة من الطغيان من جهة أخرى.


مصطلح " الملك" يجب أن يفهم ويدرك بمعنى يتعلق بجنس الكلمة ونوعها وشموليتها: إنه يشير إلى شخصية واحدة في مجموعة وربما يكون أميرا، إمبراطورا أو رئيسا شريطة أن يحكم للخير و المنفعة المشتركة.إذا فقدت هذه الشخصية غاية السياسة التي هي الخير المشترك و التي هي تشترط شرعيته وشرعية سلطته، فهي ليست شخصية زعيم أو قائد، إنها تصبح شخصية طاغية. الطغيان يمكن أن يمارس من قبل مجموعة صغيرة أو من قبل الشعب نفسه وخاصة عندما المجموع يحكم ويضطهد أقلية صغيرة. سان توماس ينظم في نفس الفئة كل الأنظمة الفاسدة. في الخلاصة، يوجد بشكل أساسي نموذجين من الأنظمة: الأنظمة المنتظمة و الحسنة، والأنظمة الغير منتظمة و السيئة. والقاعدة يتم الحصول عليها من القانون الطبيعي. الشيء الثاني الذي يحدده سان توماس، الذي يجب أو ينبغي كما جاء في كتابه ( somme théologique ) ، أن الجميع لديهم جزء في الحكم أو الحكومة. إنه يلتزم بمبادئه العامة. يدعو إلى تفادي كل الطغيان والأنظمة الطاغية و بكل أشكالها، وعلى الفعل السياسي أن يُمارَس بالشراكة. في النهاية السياسة وفق سان توماس هي : " فن أفضل الممكن".


المسيحية أعطت وجودا لمجتمع له قدر ومصير شامل: إنه الكنيسة. الكنيسة هي مجتمع من المؤمنين مفتوح ومن غير تمييز لجميع البشر. إنها مؤسسة،أنشئت مع تكليف الرسل والمبشرين،وقد بنيت و أصبحت مركزية بشكل متدرج. المجتمع الكهنوتي أصبح مجتمع حقوق، من خصائصه وجود مؤسسة تراتبية، إنها المؤسسة الكهنوتية. إذا كيف تم تنظيم العلاقات بين الكنيسة ( كمجتمع وكمؤسسة ) و بين السلطة السياسية ؟


خلال القرون الثلاثة الأولى، المسيحيون احتفظوا بموقف يطابق المذهب أو الطريقة المثبتة من قبل سان بول:احترام مطلق الإمبراطورية،مقاومة الأنظمة التي تحمل ضررا للمعتقد بالله الحقيقي.لكن الدين المسيحي الذي هو أقلية و مضطهَدة أصبح في القرن الرابع الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية،ثم فيما بعد الدين المجمع عليه تقريبا في الغرب أثناء العصور الوسطى. القضية و السؤال العملي للعلاقات بين السلطة الزمنية و السلطة الروحية تطرح بطرق مختلفة: لا يعني نهائيا الحفاظ على استقلال الروحي في مواجهة متطلبات السلطة الزمنية ولكن مصالحة أولوية الروحي و أسبقيته مع استقلالية الزمني.


 بشكل آخر،لا يعني نهائيا معارضة بين حقوق الله و مع القيصر الوثني، ولكن تعريف الحقوق والواجبات للقياصرة المسيحيين وعلاقتهم مع الكنيسة.إذا هو افتتاح لتاريخ طويل للعديد من الإثارات لها أوجه متعددة. ثلاث أفكار عامة يمكن فصلها هنا : استمرار وديمومة ثنائية السلطة، الغموض في الأنظمة تحت شكل النزعات في الأهلية و الاختصاص،الغموض في الأنظمة تحت شكل تقليدية الدولة وصرامتها.

مبدأ ثنائية السلطة لم يكن موضعا للنقاش.المجتمع المسيحي تمت إدارته وحكمه بنوعين من سلطات القضاء المنفصلة، وفق شرعيتين متمايزتين للقوانين. إذا وجد بشكل دائم سلطتان قضائيتان مختلفتان في طبيعتهما. حاول الباباوات دائما إخضاع السلطة السياسية لكنهم لم يستطيعوا ذلك نهائيا.المؤسسة السياسية و المؤسسة الكهنوتية تبقيان غير مرتبطتين. هذا الانفكاك أدى إلى خصوصية الغرب القروسطي، إذا ما قورن بالمناطق الأخرى في العالم، العالم الإسلامي و الإمبراطورية البيزنطية.

 

من جانب آخر،العلاقات بين السلطتين طُبعَت على مر تاريخ العصر الوسيط بالنزعات و الخصومات حول الاختصاص و الأهلية. وهمُ عالم مسيحي قائم بشكل دائم،فكرة المسيحية حيث الاختلاط بين السياسي و الديني، المقارنة عند سان أوغستان بين المسيحية و " مدينة الله"، كل هذا سيعبر الحدود. المسيحية القروسطية كانت نظاما سياسيا/دينيا له رأسين،فيما بعد سيستمر بمنافسة طويلة ونزاع أطول بين الكهنوت Sacerdoce و بين الإمبراطورية.


في وقت من الأوقات، " شارلمان " حاول توحيد المسيحية الغربية تحت سلطته الخاصة والتي في نفس الوقت هي زمنية وروحية ( حيث اعتبر نفسه زعيما دينيا محاولا أخذ جزء من السلطة الداخلية للكنيسة ). فيما بعد في القرن السادس حتى السابع عشر،حاول الباباوات بجهد كبير إقامة تفوقهم السلطوي. روما مَنحت حق تجاوز وعزل الأباطرة، وذلك للسلطتين الروحية ممثلة بالكنيسة والزمنية ممثلة بالسلطة السياسية ولكن تحت وصاية الكنيسة. هذا التنافس بين السلطتين سيدور في النهاية وبشكل إجباري باتجاه تقوية سلطة الملوك.في نهاية العصر الوسيط، الملكية الوطنية تم فرضها كشكل سياسي. الغموض في الديني والسياسي لم يتوقف : الدين بقي صاحب سلطة ونفوذ في القرن السابع و الثامن عشر،و منظرو الملكية المطلقة سيستندون في تنظيرهم إلى نظرية الحق الإلهي. بعد الإمبراطورية القسطنطينية،وبعد الإمبراطورية القروسطية، الملكية الوطنية ( على الطريقة الفرنسية ) ادعت الاختيار و العناية الإلهية. 

في العصر الوسيط وبعد ذلك، النزاعات استمرت في بعض الأحيان كنزاعات عائلية.مجتمع المؤمنون اختلط بالمجتمع السياسي مع قوة وصرامة الدولة.فالكنيسة تُعَلّم كما كانت تفعل دائما، مع حرية اختيار العقيدة ولكنها عمليا أو إجرائيا على أرض الواقع لم تتناغم مع ما تزعم به. فكرة " الجمهورية" المسيحية وبعدها الأمة المسيحية بررت تجييش وتحريك السلطة السياسية في خدمة وحدة العقيدة. " اليد الزمنية العلمانية " ضربت الانشقاقات أو الانفصال عن الكنيسة الرومانية و الهرطقيات. فقوة القيصر كانت مستخدمة في خدمة شؤون الله. فكرة " الدين يجب أن يكون حرا" هي " خطأ إلحادي أو من الزندقة" كما جاء في كتاب Bossuet (السياسة مستمدة من الكتب المقدسة، الجزء السابع 1709 ).

 

الصيغة ( لاهوتي / سياسي ) كانت سلطوية. وتمت ترجمتها على شكل اضطهاد ديني، وتسببت بعد محاولات" الإصلاح" بحروب أهلية خطيرة. هذه الحروب الدينية و الاضطهاد الذي تلاها ساهمت بشكل كبير في تطور الفكر السياسي الحديث. ردة الفعل كانت بعد هذه الحروب كالتالي : الدين يقسم ويفرق، السلطة السياسية تضطهد الدين، في النتيجة الدين يجب أن يبعد عن السياسة. الكنيسة الكاثوليكية، و التي اعتقدت أنها نجحت بأن أصبحت كنيسة الدولة، وُجدت من الآن فصاعدا في موقع دفاعي. 

المحدّثون Modernes التزموا الصراع ضد السلطة السياسية للكنيسة الكاثوليكية وقد وصلت النتيجة إلى النجاح. الكاثوليكية فقدت في بلاد " الكنيسة اللاتينية" موقعها كدين للدولة، الكنيسة الرومانية أجبرت على ترك موقعها الزمني، المبدأ الحديث للتحييد الديني للدولة أصبح القاعدة العامة،المجتمعات تعلمنت أو تحول  المجال الكنسي إلى دنيوي Sécularisation . متضررة داخل مواقعها الزمنية،وفي إمبراطوريتها الروحية، ضحية أيضا في بعض الأحيان للسياسة المعادية للدين ( اضطهاد الثورة الفرنسية لها )، أو كما في ألمانيا كما تسمى Kulturkampf ، السياسة " المعادية للكهنوتية" في الجمهورية الثالثة الفرنسية، الكنيسة تمسكت على طول القرن التاسع عشر وبعد ذلك أيضا بالارتباط بالنموذج الماضي: المسيحية أو المدينة الكاثوليكية بمعنى آخر النظام السياسي / ديني.


الأشياء بدأت بالتبدل مع بابا الفاتيكان Pie الثاني عشر( انتخب في عام 1939). يوحنا الثالث و العشرون تابع التغيير، وتم تكريس التطور من قبل مجلس الفاتيكان الثاني ( 1962 ـ 1965 ). مقياس التغيير كان في غاية الحساسية ومتنازع فيه. النصوص الرومانية هي في الكثير من الأحيان صعبة في الشرح و التفسير وذلك بسبب عمومية العديد من الصيغ و الأشكال،وبسبب أيضا الممارسة التقليدية للتيار " التوفيقي" Concordisme بين الكتب المقدسة و نتائج التقدم العلمي ( كما يحصل في الإسلام اليوم ). مع ذلك، يظهر أنه و بشكل أكيد أن النصوص التصالحية تطبع وتؤشر إلى تبدل و تغير مهم في المذهب. أي تبدل و أي تغير؟


الكنيسة أُبعدت عند النموذج السياسي القروسطي. المثالي السياسوـ ديني للمسيحية، مقارنة ومشابهة المجتمع السياسي بالمجتمع الديني، نظرية السلطتان، مع صرامة الدولة و الدعوة إلى الزمني تم التغيير، الدنيوي و العلماني يبدو أنها مصطلحات قابلة للحياة ، فعاشت و استمرت. التجديد الأساسي بالنسبة للتعليم التقليدي يتعلق بالحرية الدينية و الذي يكرس كرامة البشر وحريتهم : لا أحد لأسباب دينية يجبر على التصرف ضد عقيدته أو يمنع من ممارستها.الكنيسة من الآن فصاعدا هي جزء من هذه الثقافة الحديثة والتي هي الجوهر الأكثر قوة ووضوحا لكرامة الشخصية الإنسانية. إذا الكنيسة تم فصلها عن نموذج أخذته وورثته عبر التاريخ. أما بالنسبة للمبادئ الأساسية تبقى وفية لتعليمها التقليدي. ولكن ماذا يقول هذا التعليم في النهاية ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق