Translate

الاثنين، 2 نوفمبر 2020

صعود الاستبدادية في عصور النهضة

 صعود الاستبدادية (الحكم المطلق) داخل الدولةـ الأمة لعصر النهضة.

في بداية القرن السادس عشر،المذهب الاستبدادي كان قد وجد قبل ذلك،تأسس في العصر الوسيط من قبل بابا الكنيسة و الملوك على قواعد لاهوتية،ولاسيما،على قاعدة القانون الإمبراطوري الروماني. هذه القاعدة سوف تنتشر، تتثبت و تأخذ طابعا أكثر تنظيما ضمن سياق "عصر النهضة" حيث ستتأكد الدول ـ الأمم.ولكنها ستصطدم مع تقاليد للاستقلال المحلي ومع مؤسسات تمثيلية هي أيضا موروثة من العصر الوسيط.


أولا ـ الأصول القديمة و الوسطى لمفهوم "السلطة المطلقة" الاستبدادية.

المذهب الاستبدادي هو من أصول قديمة أي يمكن رده للأفكار السياسية التي ظهرت في العصر القديم والوسيط. ولكن نحن سنبدأ دراسة هذا المذهب منذ العصر الروماني لاعتقدنا بوجوده بشكل ممنهج ومنظم أو قائم على قواعد محددة.


1ـ السلطة المطلقة في القانون الإمبراطوري الروماني.

السلطة الفردية للإمبراطور الروماني تم تثبيتها على طول ومر العصور. ففي عصر الإمبراطور Vespasien (69 ـ 79 بعد الميلاد)، الشعب الروماني تخلى عن إرادته في السلطة لصالح الإمبراطور. ولكن بسرعة كبيرة الأباطرة كانوا الوحيدين الذين لديهم حق التصرف فيما يتعلق بالقوانين ووضعها،ثم منح الامتيازات لمن يريدون و تسمية الموظفين الكبار. إذا انتهى تماما ما يمكن أن نسميه حق التشريع للشعب.

2ـ الإرادة البابوية الكاملة.

في أوربا الغربية الإقطاعية،قبل القرن الثالث عشر، لم تطبق فكرة السلطة المطلقة إلى من خلال الباباوات.ففي عام (1076) البابا غريغوار السابع أكد أن "السلطة الكاملة" تعود للبابا: إنه رئيس الكنيسة،يستطيع تشكيل السلطات الزمنية، ويشرع أي قانون يريده. وتأتي هذه السلطة من حيث أن البابا هو "نائب للمسيح". ضمن هذا السياق، البابا له سلطات عادية يتصرف فيها من خلال القوانين القائمة،وسلطات ما فوق عادية تسمح له بالتصرف بشكل مطلق بعيدا عن الالتزام بالقوانين القائمة. ولكن الاستبدادية البابوية لم تتعلق في البداية بالسلطة الزمنية للباباوات، بل حصرا في سلطاتهم الروحية. بعد ذلك تحولت إلى سلطة يدعي فيها البابا أنه يأخذ أوامره مباشرة من الله من أجل الكنيسة ومن أجل المملكة أيضا، وكان هذا في القرن السادس عشر. إذا السلطة البابوية وحتى طبيعة السلطة التراتبية القائمة داخل الكنيسة أصبحت في أوربا العصر الوسيط نموذجا للملكية المطلقة والإدارة المركزية.


3ـ تطبيق البابوية على السلطة الزمنية.

أصبحت البابوية مدرسة بسبب هيبته القائمة والوزن المتنامي للقانون الكنسي. هذه المبادئ سوف تطبيق بعد فترة وجيزة على الملوك. ولا نسى أنه حتى الملوك كانوا يدعون بأنهم ممثلون لله على الأرض. إذا فكرة السلطة المطلقة كانت ماثلة في أوربا منذ وقت طويل. ولكن،في العصر الوسيط، كانت في منافسة مع سلطات أخرى. ضمن هذه الظروف، التغيرات السياسية،الاقتصادية و الاجتماعية التي طبعت عصر النهضة ستساهم في ميل الميزان داخل العديد من البلدان الأوربية لصالح السلطات القوية و المركزية التي اعتمدت الحكم الاستبدادي المطلق.


ثانيا ـ نشؤ الدول ـ الأمم.

1 ـ تحالف السلطات المركزية مع القوى الاجتماعية والاقتصادية الجديدة .

في الواقع ومنذ "الانقلاب البابوي" الكبير ما بين القرنين الحادي عشر و الثالث عشر، الإقطاع بدأ بالتراجع. فالكنيسة مع الممالك القائمة وجدت نموذج الدولة القديمة وعملت على بناء دول كبيرة متمركز على هذا النموذج. وبشكل متدرج،تقدمت في هذا الاتجاه لتضعف استقلالية الإقطاعيين، أيضا الاقتصاد تغير في أبعاده وبنيته ليصبح في جوهر المركزية الجديدة،فمن اقتصاد زراعي ريفي تسيده الإقطاع،إلى اقتصاد منظم تدعمه الاكتشافات الجديدة والسيطرة على الطرق البحرية وفيه مجموعة كبيرة من التجار والصناعيين الباحثين عن استغلال الفرص الجديدة . ضمن هذه الصيرورة الجديدة، أنصار نظام سلطة سياسية قوية، والتي تضفي على نفسها الشرعية من خلال الحكم المطلق، استطاعوا تحقيق مراحل قطعية وجذرية. ولكن هناك اختلافات بين الدول الأوربية تفرض علينا أن نفصل في دراستنا للحكم المطلق في أوربا.


2ـ اختلاف الحالات في الدول الأوربية.

لدينا حالة مختلفة ظهرت في هولندا،حيث النزعة الاستبدادية لم تستطع الوصول إلى إضعاف المؤسسات التمثيلية القائمة منذ العصر الوسيط. حالتان أنتجتا أوضاع " وسطية"، إسبانيا و إنكلترا؛ وبلدان آخران يشكلان خصوصية هما إيطاليا وألمانيا؛ وأخيرا حالة فيه الاستبداد أو الحكم المطلق يظهر بشكل كبير وواضح، إنها الحالة الفرنسية.

في هولندا، بعد سقوط  الدوق Charles le Téméraire الذي أراد بناء مملكة موحدة، النزعة الاستبدادية، ورغم حرب رهيبة، فشلت كليا وهزيمتها شكلت الفرصة لولادة أول أكبر جمهورية أوربية حديثة. في إسبانيا، وفي القرن الخامس عشر، تحدث Alphonse الخامس ( 1396 ـ 1458) عن "القوة الكاملة لسلطتنا الملكية، إنها رائعة ومطلقة". هذه السلطة المطلقة والتي وحدت إسبانيا كانت نتيجة لزواج بين " فرديناند أرغون و أليزابيت كاستيل"، ولتصبح إسبانيا أقوى دولة أوربية.أما في إنكلترا، وبعد نهاية حرب Deux Roses،هنري السابع يصبح ملكا ما بين 1485 إلى 1509 ليبني العائلة الملكية Tudor. اعتمد على الطبقة الوسطى،طور التجارة ودعم المغامرات البحرية. بنى نظاما قويا على مركبات استبدادية. ولكن لا هو ولا خلفه الملك هنري الثامن و إلزابيت الأولى استطاعوا أن يبعدوا أو ينهوا دور البرلمان.

في ألمانيا، وجود إمبراطورية أدى إلى حالة خاصة: الإمبراطورية ضعيفة جدا لا تستطيع القيام بحركة توحيدية،ولكن مجرد وجودها أعاق قيام دولة ألمانية فيدرالية تقوم بالدور بدلا منها. لكن هذا لم يعيق انتصار الحكم المطلق في داخل العديد من الدول الألمانية لاسيما تحت تأثير النظرية اللوثرية luthéranisme. الحالة الإيطالية هي نوعية أيضا بسبب وجود البابوية ودولها.حيث كتب ميكيافلي:"إيطاليا مقسمة إلى خمسة دولة أساسية: مملكة نابولي في الجنوب،دوقية ميلان في الشمال،جمهورية البندقية "فينيس" في الشمال الشرقي،جمهورية فلورنسا والدول البابوية في الوسط. 


في فرنسا. الملكية الفرنسية أخذت ثلاثة أشكال متعاقبة : أولا "إقطاعية"، ثم كانت "معتدلة"، وأخيرا ومع بداية عصر " جان بودان" أصبحت سلطة الحكم المطلق والمستبد.  بداية من القرن الثالث عشر وحتى القرن الخامس عشر، بدأت السلطة الملكية الانتقال من الإقطاعية إلى الاستبدادية absolutisme والتي تستلهم القانون الإمبراطوري الروماني. هذه السياسة اصطدمت بمقاومة البارونات barons وأيضا"برجوازية" المدن. نذكر هنا أن هذا التحول قاده كل من :Philippe Auguste, saint Louis, Philippe le Bel. 


حتى النصف الثاني من القرن السادس عشر، الاستبدادية الفرنسية كانت معتدلة، مع انقسام كبير بين المفكرين، فالبعض يفضل الاستبدادية و الآخر يعارضها، أنا الباقي فيسعى لتلطيفها أو التخفيف منها. ولكن من المؤكد أن إشارات التوجه إلى الحكم المطلق كانت واضحة في السلطة الملكية الفرنسية منذ بداية القرن السادس عشر. وتبين التوجه الاستبدادي مع الملك فرنسوا الأول، حيث أكد بأن السلطات الملكية هي: الدفاع، القضاء، الحكومة والإدارة. تحت حكم لويس الثاني عشر الكاتب Jean Ferrault طالب بسلطات غير محدودة للملك. ونحو عام 1550 مجموعة من الكتاب ظهرت كتاباتهم كدعم واضح للاستبدادية المطلقة ومنهم Charles Dumoulin , Etienne du Bourg , Pierre Rebuffi. 


الاستبداديون و أنصارهم اندفعوا بطرح منطقهم من خلال وضع الملك فوق القانون وأرادوا إبطال مفعول البرلمان وأحكامه السيادية الاستقلالية. في النتيجة،فكرة أن البرلمانات تراقب النصوص الصادر عن الملك وتعترض عليها بالنسبة لهم هي فكرة عبثية ولا يمكن قبولها قانونيا. إذا النزعة الاستبدادية تمركزت بقوة وزادت قوتها بعد عام 1560، في عهد حاكمة Hospital والتي في خطاب شهير لها في عام 1561 أكدت أن :" شخصا واحدا يجب أن يحكم و على الآخرين الخضوع". ولكن في هذا التاريخ اشتعلت الحروب الدينية حيث ستغير طبيعة المشكلة كما سنرى فيما بعد. بمعنى أن تيارات ومذاهب جدية ستظهر أهمها " الدستوريون" constitutionalistes، ومنهم انبثقت اتجاهات "ما قبل ديمقراطية" و أخرى"ما قبل ليبرالية"، ولكن لم ينته وجود المناصرين لتعزيز السلطات الملكية.               

 

بالنسبة لمناصري الاستبدادية، لم يستطيعوا فرض وجودهم بشكل كبير في أوربا القرن السادس عشر والسابع عشر لولا أن العقليات في القرون الوسطى كانت مع تعزيز دور الدولة،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق